قصة"قيود السحر وأجنحة الأمل"

 


قصة قصيرة (مستوحاة من قصة حقيقية)

 بعنوان"قيود السحر وأجنحة الأمل"


كانت هناك فتاة طموحة، متفوقة في دراستها، تحلم بمستقبل مشرق يليق بذكائها واجتهادها. كانت حياتها تسير على ما يرام حتى بدأ كل شيء ينهار فجأة، وكأن لعنة أصابتها دون سابق إنذار.


خلال أربع سنوات، عاشت الفتاة في دوامة من المرض والمعاناة، تتنقل بين الأطباء من تخصص إلى آخر. عينها تؤلمها بلا سبب، قلبها يضطرب في غير موعد، جسدها يخذلها بلا إنذار. عمليات جراحية، تحاليل، أدوية، ولكن لا شفاء. والأسوأ أن الجميع بدأ ينفر منها؛ أصدقاؤها ابتعدوا، علاقتها بأهلها تدهورت، هبط مستواها الدراسي، حتى رسبت في بعض المواد.


كانت تطرح على نفسها سؤالًا واحدًا: هل كل ما يحدث هذا غريب أم هو مجرد ابتلاء؟


لم تكن تدري أن الإجابة تختبئ خلف حجاب الغيب، وأن هناك قوة خفية تعبث بحياتها. ومع اقترابها من الله أكثر، بدأت ترى ما لم يكن يُرى من قبل.


في إحدى الليالي، بينما كانت في غرفتها تقرأ القرآن، ظهر أمامها ظل أسود ضخم، عيناه كالليل الحالك. كانت ترى هذا الظل من قبل في أحلامها، لكن رؤيته أمامها حقيقةً جعلت الدم يتجمد في عروقها. تحدث إليها بصوت لم يكن بشريًا، صوت خرج من العدم قائلاً:

"لن تخرجي من هذا العذاب، ما دام السحر محكمًا عليكِ."


كانت الصدمة أكبر من أن تستوعبها، لكنها لم تستسلم. لجأت إلى القرآن، إلى الدعاء، إلى كل ما يحصنها، وكانت دائمًا تدعو الله أن يفرج كربها، لكن كلما زادت قوة إيمانها، زادت شراسة الهجوم عليها. مع مرور الأيام، أصبحت تراه باستمرار، ليس فقط في أحلامها، بل في يقظتها أيضًا. كان يطاردها، يسلبها قوتها، ينهك روحها، لكنه لم يكن وحده. في ليلةٍ حالكة، ظهر مخلوقٌ آخر، جسده أسود كالظلمة، لكن عيناه كانتا حمراوتين كالجحيم.


وفي غفلةٍ منها، انقضّ عليها، التفّت يداه حول عنقها، حاول خنقها لمنعها من قراءة القرآن الذي تلجأ إليه. شعرت بأنفاسها تتلاشى، لكن وسط العتمة، وجدت قوتها. رفعت يديها بصعوبة، وأشارت بعلامة الشهادة.


فجأة، اختفى كل شيء. استيقظت وهي تلهث، لكن معجزةً أخرى كانت بانتظارها: لقد فقدت صوتها لفترة.


في ليلة أخرى، حاول أحدهم ذبحها، لكنها نجت بقدرة الله، حينها أدركت أن النجاة قريبة.


عندما أخبرت أهلها بما يحدث، لجأوا إلى الشيوخ، لكن لا أحد استطاع فك هذا السحر اللعين. أربع سنوات كاملة، والسحر يحيط بها كسجن لا أبواب له، حتى جاء رجل صالح، شيخ قوي الإيمان فكّ عنها هذا القيد الخفي.


بكت الفتاة بحرقة، لكنها كانت دموع استجابة دعائها.


عادت حياتها إلى النور، درست بجد، ونجحت في الثانوية العامة بتفوق، ثم حصلت على فرصة للسفر والدراسة في الخارج. 


أدركت أنها لا تريد أن تكون مجرد ناجية، بل أرادت أن تكون صوتًا، أن تحكي قصتها ليعلم الناس أن الأمل لا يموت، وأن الظلام مهما كان حالكًا، فإن نور الله قادر على تبديده.


أثناء سنوات العزلة، لم يكن لديها سوى قلمها، كتبت عن تجربتها، عن المعاناة التي لم يفهمها أحد، عن المعركة التي خاضتها وحدها. نشرت قصتها على الإنترنت، ولم تكن تتوقع ما سيحدث. انتشرت كتاباتها بسرعة، وأصبحت حديث الجميع. الناس من كل أنحاء العالم قرأوا كلماتها، شعروا بألمها، استمدوا منها القوة.


وهكذا، تحولت تلك السنوات التي سُلبت منها إلى مصدر إلهامٍ لآلاف الأشخاص، وأصبحت كاتبةً مشهورة، تُقرأ لها الكتب في كل مكان.


لم تكن تتخيل يومًا أن ما كان لعنة سيتحول إلى هدية، وأن الألم الذي كاد أن يقتلها، هو نفسه الذي أعطاها الحياة من جديد.


لأن الله لا يبتلي إلا من يحب، ولا يأخذ إلا ليعطي أضعافًا، ولا يختبر أحدًا إلا ليُريه كم هو قوي.

سارة نصر 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خاطرة

خاطرة